البحوث العلمية .!


إصلاح التعليم لا يكتمل دون إصلاح البحث العلمي في الجامعات


بقلم: مطلق ندا


معالي رئيس هيئة تقويم التعليم والتدريب، الدكتور حسام بن عبدالوهاب زمان، ` تناول في لقاء سابق في برنامج المختصر التلفزيوني ، مشروع التطوير المهني للمعلم، والذي يستهدف الارتقاء به عبر مراحل مهنية تبدأ بـ”ممارس” وتصل إلى “خبير”، بناء على نتائج اختبارات تقييمية دقيقة. خطوة مباركة من الهيئة تسهم في تحفيز المعلم على النمو المهني، وتعزيز جودة التعليم، بما ينعكس إيجاباً على البيئة التعليمية برمّتها.


غير أن النهوض بجودة التعليم لا يمكن أن يكون مكتمل الأركان دون معالجة الواقع المقلق للتعليم الجامعي، وخاصة في ميدان الدراسات العليا، الذي يعاني من خلل مزمن في جوانب عدة، يأتي في مقدمتها ضعف جودة البحوث العلمية، وافتقار كثير منها إلى القيمة المضافة، فضلاً عن تكرارها في الطرح، واختلافها فقط في العناوين دون مضمون يُذكر. وقد أصبح من المألوف – للأسف – أن تتشابه رسائل علمية إلى حدّ الاستنساخ، وأن يلجأ بعض الدارسين إلى مكاتب تجارية تقوم بإعداد البحوث كاملة مقابل أجر، ما يفرغ العملية البحثية من جوهرها، ويجعلها وسيلة للحصول على الدرجة فقط، لا العلم في ذاته.


هذا الواقع المؤلم، لا يُعزى فقط إلى الباحث، بل إلى ضعف الرقابة داخل بعض أقسام الدراسات العليا، وإلى تهاون بعض المشرفين وأعضاء لجان المناقشة، الذين قد ينشغلون بالشكل على حساب الفكرة، ويغفلون عن أهمية الرسالة كمنتج معرفي يضيف إلى المجتمع، لا مجرد متطلب أكاديمي شكلي. وتتحمل بعض الجامعات المسؤولية في عدم تحديث برامجها أو ضبط مدخلاتها ومخرجاتها وفق ما يليق بالتحولات الكبرى التي تشهدها المملكة.


وإذا كانت رؤية المملكة 2030 قد منحت التعليم موقعًا مركزيًا في مشروعها الوطني الطموح، فإن الجامعات مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في بنيتها البحثية، وربط مخرجاتها باحتياجات الوطن والمجتمع وسوق العمل، لا أن تظل رهينة الموضوعات المكرورة أو البحوث النظرية المجردة.


ومن هذا المنطلق، تبرز مجموعة من التوصيات التي أراها ضرورية في هذه المرحلة المفصلية:

1. إعادة هيكلة برامج الدراسات العليا في التخصصات الشرعية والإنسانية، لضمان التجديد في الطرح، وارتباط الموضوعات بالواقع المعاصر.

2. تشديد الرقابة الأكاديمية على الرسائل العلمية، عبر استخدام أنظمة كشف الاقتباس، ومتابعة فعالة لأداء المشرفين.

3. تحجيم الاعتماد على الحفظ والتلقين، والانتقال إلى تطوير ملكات التفكير النقدي والتحليل العلمي.

4. محاربة ظاهرة شراء الرسائل، واعتبار التعامل مع مكاتب البحوث التجارية إخلالاً أكاديميًا يستوجب المحاسبة.

5. تشجيع البحوث في المجالات التي تواكب تحديات العصر، مثل: البيئة، الذكاء الاصطناعي، حقوق الإنسان، الهوية الوطنية، وتمكين الشباب والمرأة.


إن الوطن اليوم بحاجة إلى باحثين يصنعون الفارق، لا مجرد حملة شهادات، وبحاجة إلى جامعات تكون بيئة محفزة للفكر لا مكرّسة للتقليد. فالمعرفة هي أساس التقدم، وهي حجر الزاوية في مشروع النهضة الشامل الذي تتبناه المملكة. ولن يتحقق هذا المشروع إلا إذا ضُبطت منظومة البحث العلمي، وتحررت من التقليد، وتوجهت نحو الابتكار الحقيقي والإنتاج المعرفي المؤثر.


وكما أن المعلم اليوم يُقيَّم ويُصنَّف وفق معايير مهنية دقيقة، فإن عضو هيئة التدريس، والمشرف على الرسائل العلمية، والباحث نفسه، ينبغي أن يكونوا شركاء في هذا التقييم، تحت مظلة واحدة عنوانها: “جودة التعليم من أجل جودة المستقبل”.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من فلسفتي

من ابياتي